وجدت وزارة السياحة الإيطالية نفسها أمام عاصفة من ردود الفعل الغاضبة والساخرة، ما أن طرحت حملتها الإعلانية الجديدة التي تتصدرها فينوس، ولكن بنسخة معاصرة.
فعوضاً عن التزام مكانها على أحد جدران متحف أوفيزي في فلورنسا، تنضم فينوس إلى مستخدمي مواقع التواصل، لترافق السوّاح على شاشات هواتفهم، بعدما حولتها الحملة إلى مؤثرة شابة.
عمر لوحة “ميلاد فينوس” الشهير، لساندرو بوتيشيلي (1445-1510)، أكثر من 500 عام، ولكن، في الحملة الإيطالية الأخيرة، تطل فينوس عبر حسابها الجديد على إنستغرام، قائلة إنها في الثلاثينيات من عمرها، وتدعونا لمرافقتها في رحلة عبر مواقع إيطاليا السياحية.
عنوان الحملة “الانفتاح على العجائب”، وتحاول ضخ نفحة عصرية في التراث والفن الكلاسيكي. ولكن ذلك لم يعجب البعض، إذ رأوا أن الفكرة غير مبتكرة، خصوصاً أن عدداً من متاحف العالم استخدم اللوحات والتماثيل الكلاسيكية في سياقات معاصرة، لجذب الزوّار، ناهيك عن أن عالم “الميمز” على الإنترنت يزخر بشخصيات اللوحات الكلاسيكية موضوعة في سياقات ساخرة أو كوميدية.
لوحة بوتيشيلي نفسها، كانت مصدر إلهام لأغلفة ألبومات غنائية، ولدور الأزياء، ولفنانين تشكيليين كثر… فمن الصعب أن تجد شخصاً لا يعرف صورة فينوس ذات الشعر الأحمر الطويل، الخارجة من صدفة عملاقة، والريح تجذبها نحو الشاطئ.
وقالت وزيرة السياحة الإيطالية دانييلا سانتانكي إن الهدف من الحملة هو اللجوء إلى عمل فني ذائع الصيت، للتوجه من خلاله إلى جيل الشباب، باستخدام الأدوات التي يعرفونها ويحبونها.
هكذا، تخيل معدو الحملة فينوس بتنورة جينز، أو تركب دراجة هوائية، تتصور بواسطة هاتفها المحمول قرب معالم سياحية شهير، أو تتناول البيتزا.
ولكن الحملة لم تنل الإعجاب أو الترحيب المتوقع، خصوصاً بسبب ميزانيتها الضخمة.
فمع آمال بأن يسجل الموسم السياحي في إيطاليا هذا العام معدلات قياسية، بعد ركود فترة الوباء والحجر الصحي، خصصت الوزارة نحو 9 مليون يورو (10 مليون دولار تقريباً) من أجل تحويل فينوس من لوحة إلى ملصات استخدمت تقنيات تصميم رقمية.
لكن الكلفة لا تشمل الجانب الإبداعي وحده، بل تطال التسويق الضخم للحملة، عبر طرحها في أنحاء العالم على لوحات إعلانية، وفي وسائل الإعلام، وعبر منصات التواصل.
ومن المرتقب إطلاق الحملة رسمياً خلال فعاليات “الملتقى العربي للسياحة والسفر” الذي تستضيفه دبي بين 1 و4 مايو/ أيار.
كثيرون انتقدوا ضخامة المبلغ، مقابل بساطة الحملة، ولجوء مبتكريها إلى صور وتسجيلات فيديو غير أصلية، بل محمّلة من أرشيفات الصور المدفوعة.
تسبب الأمر بلغط كبير، خصوصاً بعدما تبين أن أحد المقتطفات المسجلة في الحملة، يظهر معمل نبيذ في سلوفانيا، مع الإشارة إلى أنه في إيطاليا، وذلك ما أغضب الطليان الذين يعتدّون بصناعة النبيذ المحلية.
يضاف إلى ذلك أن الموسم السياحي وإن كان يحمل قيمة اقتصادية كبرى بالنسبة للبلاد، إلا أن زحمة السياح تسبّب بانتقادات محلية دائمة في إيطاليا، لما يعتبر فشل الحكومة في حماية الإرث التاريخي والأماكن العامة من الأذى والتعرّض للضرر مع وفرة الزوّار.
ورأى البعض ومن بينهم عمدة مدينة فلورنسا، داريو نارديلا، أن استخدام فينوس كمؤثرة في حملة إعلانية، دليل على مشكلة ثقافية أوسع تتمثل “بالاستغلال التجاري الذي يسخّف جواهر الفن”.
ذلك ما رفضته وزيرة السياحة سانتانكي، قائلة إن لوحة فينوس أيقونة ورمز للروح الإيطالية حول العالم.
واتسع السجال ليشمل نقاداً في مجال الفن وتاريخه، وناشطين في الحفاظ على الإرث الثقافي الإيطالي. من بينهم مؤرخة الفن ليفيا غاروميرسيني التي قالت إن الحملة تفتقد إلى الحسّ الفني، ولا تعدو كونها “خليطاً مبتذلاً من الكليشيهات”، معتبرة أن الحملة السياحية “تقلل من شأن التراث بأكثر الطرق ابتذالاً”.
كذلك طرح البعض مسألة حقوق استخدام اللوحة لأغراض ربحية، وموقف متحف أوفيزي الذي يعرضها، من ذلك الاستغلال التجاري، علماً أن المتحف لم يصدر أي تعليق على السجال حتى الآن.
في المقابل، وجد آخرون أن هناك مبالغة في السخرية من الحملة، خصوصاً أن لوحات قيمة أخرى مثل الموناليزا تستخدم في تأويلات ساخرة أو على منتجات تجارية.
لكن الاعتراض الأساسي من المعلقين الإيطاليين كان على تضمّن الحملة مجموعة من الأفكار النمطية عن بلادهم، عوضاً عن تقديم صورة أصلية وحقيقية، تتجاوز الصور المستهلكة سياحياً.
بالنسبة لصناع الحملة، الطريق لا يزال في بدايته، فحساب فينوس المؤثرة على إنستغرام حصد خلال أيام أكثر من 35 ألف متابع، بانتظار ما ستشاركه خلال رحلتها للترويج لمعالم إيطاليا، وما ستنشره من صور وقصص.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.