- زويا متين
- بي بي سي نيوز – دلهي
مؤمنة خاتون مقتنعة بأن لعنة ما نزلت عليها، لكنها ليست وحدها، بل واحدة من مئات النساء في ولاية آسام شمال شرق الهند اللائي تزوجن دون سن 18 عاماً، وأصبحن في طي النسيان بعد اعتقال أزواجهن في حملة أطلقتها الولاية ضد زواج القاصرات.
تزعم حكومة الولاية أنها تريد القضاء على هذه الممارسة غير القانونية، لكن خاتون وغيرها من النساء اللائي احتُجز أزواجهن يقلن إنهن تُركن ليواجهن مصائرهن لوحدهن.
ولم يكن لدى خاتون، التي تنتظر وضع طفلها، حياة سهلة قبل زواجها، حيث مثل الزواج فرصتها للتخلص من حياة البؤس.
تزوج والدها عندما كانت في الثامنة من عمرها. بعد بضعة أشهر تخلت عنها والدتها أيضاً، وتركتها لتعيش مع خالتها في قرية صغيرة في الولاية.
قالت خاتون: “كانت الحياة صعبة هناك، وعوملت وكأنني عبء على عائلتها”.
في العام الماضي، عندما قررت أسرة خالتها تزويجها وهي في السابعة عشرة من عمرها، بدأت تهذي من الخوف.
“قيل لنا دائماً أن الرجل الذي نتزوجه سيحدد نوعية حياتنا. كنت صغيرة وأخاف مما قد يحدث لي إذا كان زوجي سيئاً”.
وقالت خاتون إن يعقوب علي، المزارع الذي تزوجته، كان رجلاً طيباً أنقذها من شعور الوحدة وعوضها بالحب الحقيقي والمودة.
“لم يكن لدينا الكثير لنعتاش عليه، كنا فقراء، لكن على الأقل كان هناك سلام”.
لكن سعادتهم لم تدم طويلاً. في 4 فبراير/ شباط، ألقي القبض على زوجها من منزلهم ووجهت إليه تهمة الزواج من خاتون عندما كانت قاصراً.
رغم مرور أسبوع، لا يزال الشاب البالغ من العمر 22 عاماً رهن الاحتجاز، ولم تتمكن خاتون الحامل في شهرها السابع ، من اللقاء بزوجها منذ اعتقاله.
وقالت “أين أذهب؟ ليس لدي أحد. سنموت أنا وطفلي من الجوع والوحدة”.
احتجت خاتون ومئات النساء الأخريات في ولاية آسام بعد اعتقال أقاربهن الذكور على خلفية قضايا زواج القاصرات.
وردت أسماء أكثر من 8100 شخص في محاضر الشرطة حتى الآن ، بما في ذلك آباء هؤلاء الأزواج ورجال الدين الذين عقدوا مراسم الزواج. ولم يتضح على الفور كيف تعرفت الشرطة عليهم.
اتصلت بي بي سي بالمسؤولين للتعليق لكن ما لا يقل عن 2500 شخص اعتقلوا منذ الأسبوع الماضي.
النساء أمثال خاتون يرون في هذا العمل “تدخلاً قاسياً في حياتهم”.
معظمهم من غير المتعلمين والفقراء، ويقولون إن المعتقلين هم المعيلون الأساسيون لأسرهم وأنهم يعتمدون عليهم وعلى عملهم للبقاء على قيد الحياة. انتشرت مقاطع فيديو لنساء ينتحبن أمام أقسام الشرطة ويتدحرجن على الأرض، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تأجيج مشاعر الغضب.
واتهم علي وأمثاله من المعتقلين بتهمة الزواج من فتيات تتراوح أعمارهن بين 14 و 18 عاماً، بموجب قانون يحظر زواج الأطفال ويعاقب المخالفون بالسجن لمدة عامين إضافة إلى غرامة مالية.
تم اتهام الرجال بالزواج من فتيات دون سن 14 عاماً بموجب قانون أكثر صرامة يحمي الأطفال من الجرائم الجنسية، وهي جناية لا يمكن الإفراج عن المتهمين بها مقابل كفالة ويعاقب عليها بالسجن لفترات تتراوح بين سبع سنوات إلى مدى الحياة.
تشير التقارير إلى أن المناطق التي فيها عدد أكبر من المسلمين في ولاية آسام شهدت عمليات اعتقال أكثر من غيرها، على الرغم من اعتقال مئات الرجال الهندوس أيضاً.
بموجب قانون الأحوال الشخصية الإسلامي في الهند، يجوز للفتيات الزواج بمجرد وصولهن لسن البلوغ.
يتم الطعن في التناقض بين هذا القانون وقانون حظر زواج الأطفال في الهند، الذي يمنع جميع زيجات النساء دون سن 18 عاماً، في المحكمة العليا.
“هناك سابقة في هذا المجال إذ أن القوانين الخاصة لها الأولوية على قوانين الأحوال الشخصية العامة لأي دين” وفقاً لـ أرغيا سينغوبتا، مدير الأبحاث في مؤسسة Vidhi Legal .
لكنه أضاف أن عامل “الظلم” أيضاً يجب أن يؤخذ في الاعتبار.
“لعقود من الزمن، سمح قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين بزواج الفتيات بإرادتهن عند سن البلوغ. لذا، من الظلم أن يتم اعتقال أزواجهن لقيامهم بفعل غير مخالف للقانون في نظرهم”.
ويؤكد رئيس وزراء ولاية آسام، هيمانتا بيسوا سارما، أن حكومته في “حرب” ضد زواج الأطفال ولا تستهدف أي فئة. لكن المنتقدين يقولون إن الاعتقالات التي تشمل زيجات سابقة هي أحدث محاولة لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا لتهميش الأقليات، وخاصة المسلمين الناطقين باللغة البنغالية.
لطالما واجه أبناء ما كان يُعرف سابقاً بباكستان الشرقية والآن بنغلاديش التمييز في الدولة متعددة الأعراق، حيث تشكل الهوية اللغوية والمواطنة أكبر خطوط الصدع السياسي.
أعلنت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا، القومية الهندوسية التي تتولى السلطة أيضاً في البلاد، عن كبير من الخطوات بما في ذلك قانون المواطنة المثير للجدل، الذي يقول منتقدوه إنه يميز بشكل خاص ضد المسلمين الناطقين باللغة البنغالية.
يقول الخبراء إن الاعتقالات قد تدفع بهذه بالزيجات إلى عالم السرية، مما يجعل الإبلاغ عنها أكثر صعوبة.
يقول عبد آزاد، المحاضر والباحث في جامعة فريي في أمستردام: “إن زواج الأطفال مرض اجتماعي أكثر من كونه زواجاً دينياً، كما أنه متجذر في الفقر والنظام الأبوي”.
“فقط من خلال الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات يمكن القضاء على هذه الممارسة حقاً، وليس من خلال الاستهداف الصريح لفئة واحدة”.
على الرغم من أن زواج الأطفال غير قانوني، إلا أنه منتشر في أجزاء كثيرة من الهند بسبب المجتمع الذكوري ونقص التعليم والفقر.
وتم الإبلاغ عن حالات قليلة جداً فعلياً.
في ولاية آسام ، تم تسجيل 155 حالة زواج أطفال فقط في عام 2021 ، و 138 حالة في عام 2020 ، وفقاً لمكتب سجلات الجرائم الوطنية.
بدأت حملة القمع الأخيرة في 23 يناير/كانون الثاني، عندما أعرب سارما عن قلقه من ارتفاع معدل حمل القاصرات في ولاية آسام ووعد بوضع حد لهذه المشكلة. لقد حطمت هذه الخطوة المباغتة العديد من العائلات.
خالد الرشيد، من سكان حي دوبري في ولاية أسام، انهار قبل أن يبدأ الحديث.
يقول إن ابنته كلثوم خان البالغة من العمر 23 عاماً انتحرت في 4 فبراير/شباط.
تزوجت كلثوم، وهي الأكبر من بين أربعة أبناء، عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها. وفي عام 2020 ، عندما توفي زوجها بسبب كوفيد، عادت إلى منزل والديها مع طفليها.
يقول والدها إن كل شيء كان على ما يرام في حياتها لكن عندما سمعت الأسبوع الماضي عن الاعتقالات، أصبحت متوترة للغاية.
وطلبت كلثوم من والدها شهادة زواجها. لكن راشد يقول إنه أخبرها بألا تشعر بالقلق لأن زوجها قد مات.
لكن كلثوم كانت تخشى أن تعتقل الشرطة والديها، “قتلت نفسها لحمايتنا” بحسب والدها.
يقول الدكتور كلام أنه في حين أن معظم حالات زواج الأطفال في ولاية آسام تحدث بين المجتمعات المهمشة، فإن حركة اجتماعية قوية ضد هذه الممارسة قد تشكلت في السنوات الأخيرة.
ويقول إن “نهج الحكومة العدواني” سيضعف هذه الحركة الآن. مضيفاً: “لقد أصبح مجتمعنا منقسماً لدرجة أن مثل هذه الأعمال الوحشية تحظى بالتأييد”.
يتفق مسعود زمان، المحامي المقيم في حي دوبري والذي يناضل نيابة عن ثماني متظاهرات، مع هذا التقييم.
حي دوبري ذي الغالبية المسلمة سجل أكبر عدد من الاعتقالات.
يقول زمان: “المفهوم الشائع هو أن زواج الأطفال يمثل مشكلة للمجتمع الإسلامي. لكن معدلات زواج الأطفال مرتفعة في دوبري لأنها واحدة من أفقر مناطق ولاية آسام، حيث تعاني معظم الأسر من الأمية وليس لأن المسلمين يعيشون هنا”.
واتهم الحكومة بتحويل قضية اجتماعية إلى قضية مجتمعية على حساب حياة المرأة.
في حين تم اعتقال الرجال الهندوس والمسلمين في الحملة الأخيرة، يزعم المحامي أنه كانت هناك معاملة انتقائية في موضوع الكفالة.
“في منطقة مجولي، حيث معظم سكانها من المجتمعات القبلية، تم الإفراج عن 24 رجلاً بكفالة في غضون يوم واحد. حاولنا الإفراج بكفالة عن رجال مسلمين متهمين بنفس الجرائم لكننا لم نتمكن من ذلك”.
واطلعت بي بي سي على نسخة من أحد أوامر الإفراج بكفالة أصدرتها محكمة محلية في مجولي، وتنص على أن الاعتقالات تمت “لأسباب غامضة وغير وجيهة”.
وأضاف زمان أن إعلان الحكومة عن دفع تعويضات مالية للنساء المتضررات بغرض التخفيف من حزنهن شيء ينم عن عدم الإحساس.
“وماذا عن الرابطة العاطفية بين الزوجة وزوجها؟ كيف ستعوض الحكومة المرأة عن ذلك؟”.
إنه سؤال يطارد خاتون، وتقول: “هل ستختفي المعاناة يوماً من حياة المرأة؟”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.